يتحسر الكثير على العصر الفني السابق ويتذكر الاعمال الفنية الجميلة مثل خالتي قماشة، درب الزلق وغيرها ويتمنى لو ان نعود بمستوى هذه الاعمال بعد ان اصبحت تجارية بشكل ملحوظ. الا ان هناك اسطوانة نسمعها بين الاونة والاخرى وخصوصا في رمضان بسبب تزاحم المسلسلات التلفزيونية فيه بأن بعض المسلسلات لا تمثل المجتمع وان يجب منعها. والتمسك بالعادات والتقاليد احد سمات الشعوب العربية التي تناهض التغيير كيلا تفقد هويتها. فكيف نريد تشجيع الابداع وبنفس الوقت نطالب بمنع هذا وذاك؟ مالذي نريده من الفن حقا؟
قبل الحديث عن هذا الموضوع علينا ان نعرف ماهو الهدف من الفن؟ الفن تعبير انساني ابداعي قد يتمثل بالثقافة المحيطة او الخيال وعلينا هنا ان نشدد على كلمة ابداعي لأن الابداع تعني التجديد والغير معتاد وعندما يصبح الفن تقليدي ومتكرر بنظري تعاني المجتمعات بجمود. أؤمن ايمانا كبيرا انه لا يوجد هدف محدد للفن فقد يحمل رسالة او قد يكون عبث الا انه في النهاية عمل ابداعي ويؤثر في المتذوق للفن سواء بشكل مباشر او غير مباشر.
ومثال جيد على ما سبق حصل في عصر النهضة في فلورنس، فكان الفن السائد هو الفن المتعلق بالمسيحية ويركز على المسيح والقصص الدينية بسبب سيطرة الدين على كل جوانب الحياة. ولكن عندما اعتنت عائلة ميديجي بالفنون وبدأ الابداع على يد الفنانين ظهرت رسومات جديدة لم يستوعبها الناس لأنها لا تمثل قصة دينية كما اعتادوا بل كانت جديدة مثل الفنون التجريدية والبورتريه وغيرها مما تأثر الناس لاحقا بهذا الفن وتغيرت حتى نظرتهم للاشياء فقدرة الفن على التغيير قدرة عجيبة.
لا يفرق العامة بين مناقشة ظاهرة او برمجة البشر نحو سلوك معين لذلك تجد الاغلب يطالب بالمنع كي لا ينتبه المجتمع الى هذه الظاهرة ويتحول ويصبح لديه هذا الامر اعتياديا. وقد تكون احد الاسباب انهم يريدون نظرة المجتمع ان تكون مثالية سواء لهم او للمشاهدين خارج البلاد، فغالبية المجتمعات العربية تريد ان تعكس صورة ايجابية وليس واقعية للاخرين. وهناك نمطية في كل الدول بتصويرها لمجتمعاتها ولكن من السذاجة ان تكون تمثل المجتمع كله، ومثال على ذلك المسلسلات التركية اغلبها تصور العائلة الثرية التي تسكن بجانب البوسفورس ولديها شركة ازياء فهل يعقل ان يكون كل اثرياء تركيا بهذا الشكل؟
كما ان يجب ان تتعدد الشخصيات ففي كل مسلسل فتجد الصالح والطالح، الحرامي والأمين، الغبي والذكي…..الخ فلو نفترض ان تكون المسلسلات كلها شخصيات طيبة وتمثل المستجمع سيكون مسلسلا ساذجا ولا يحمل عنصر الصراع بين الشخصيات والاحداث وهو اساس كتابة القصة. فقد يصلح لدعاية عن عائلة مثالية وليس لعمل درامي.
قد نخشى اظهار هذه الظواهر او الشخصيات لأن هناك صورة مثالية في مخيلتنا وان المجتمع سيفسد ويتحول الى مجتمع ليس له حدود اخلاقية ولكن لا يخلو اي مجتمع من مشاكله الحقيقية. فالمخدرات متفشية بين الشباب والتعليم متدني والشوارع تعاني من حرب يومية خطرة والمرأة تعاني من اضطهاد وغيرها من مشاكل. ووضع المواضيع في اطار التابوهات يعني استمرارها في الاصل.
طال المنع عدة اعمال فنية وثقافية مما سبب عزوف بعض الفنانين عن الابداع، ومنهم من اتجه الى الخارج لكي يمارس اعماله بحرية ومنهم من اطلقها في فضاء الانتنرت. فعندما لا يحتضن المجتمع مبدعيه سيحتضنهم مجتمعا آخر وندعي اننا اصبحنا افضل حالا.
الى اي مدى سيبقى المنع فعالا؟ كنا نجلس اما تلفازا واحدا في الصالة ونرى برنامجا تلو الاخر كلها تمر عبر مؤسسة واحدة أما اليوم فكل شخص لديه تلفازه بيده وتتعدد المنصات وتتسابق المسلسلات والبرامج من كل العالم لعينيك فأي منع مجدي لذلك؟ اغرس القيم ودعها تنمو حيث سيستحيل المنع وسط كل هذه الامواج الاعلامية.
كما علينا ان نتنبأ بسلوك الجمهور بعد منع اي عمل فني. هل سيتم العزوف عن العمل ام سيزيد الاقبال عليه؟ التاريخ يخبرنا ان القبول على الاعمال الممنوعة يزيد مما يحقق عكس رغبة مؤيدي المنع الا ان يكون دورهم منحصر ب “احنا سوينا اللي علينا”
الفن مستفز، الفن يجعلك تفكر وننأمل. نحن نقابل الفن المستفز لطرقنا التفليدية بالمنع وهو من حق اي شخص ولكن لا يجب منعه عن الاخرين لأن هناك من يتأمل ويتفكر او حتى يستمتع بالترفيه فلا نملي عليه اختياراتنا. لماذا نضع كل هذا الحمل على الرقيب بدلا من ان نختار نحن ما نشاهد وما لا نشاهد بواسطة اداة بسيطة وهي الريموت كنترول. اصبحنا نعيش تناقضا واضحا بالتحسر على الاعمال الفنية السابقة والتي ايضا طالت الانتقاد بأنها لا تمثل المجتمع ومن جهة اخرى نهاجم الاعمال الفنية الحالية لجرأتها. علينا بالنضج وعلى الاقل الانتهاء من مشاهدة اي عمل درامي بشكل كامل ثم الحكم عليه بدلا من التسرع على مشهد او مشهدين. واختم هذا المقال بنفس عنوانه، مالذي نريده من الفن حقا؟