تعمد الحكومات بإمساك العصا من المنتصف بين افراد المجتمع لكي تحافظ عليه وتكون حيادية وفق القانون وايمانا بتعددية المجتمع، ولكن يبدو ان الحكومة الرشيدة أعطت العصا بكبرها لتيار الوصاية الذي يتدخل بكل صغيرة وكبيرة في شؤون المجتمع دون وضع الاعتبار لباقي فئات المجتمع وضاربين الدستور والقوانين بعرض الحائط.
فبتغريدة ثم اتصال هاتفي من نائب، حالي او سابق، فاستجابة سريعة وفورية تكون نتيجتها اما اغلاق محل بسبب نشاط ترفيهي لا يناسب ثقافتهم او تخريب ديكور محل تجاري بسبب تماثيل قد نتأثر ونخر لها ساجدين او الغاء ندوة فكرية او حفل موسيقي وصولا الى الإبلاغ عن مغردين بتهمة ازدراء الأديان، فالمنع والقمعأصبح شغلهم الشاغل ولا يستطيعون المواجهة بحوار مفتوح، وللأسف يحدث كل هذا برعاية حكومية بدلا من وضع حدود وحماية للحريات.
ولم يقف الامر عند هذه الامور فحسب، بل تعدى أيضا الى حرية البحث العلمي، فهناك مطالبات بأغلاق وحدة الدراسات الجندريةالتي تبعث أفكارا هدامة على حد رأيهم، وبناء على هذا تم اغراق وزير التربية بحزمة أسئلة يحتاج الرد عليها الى مجلدات. هذا تعدي على العلوم وعلى الجامعة التي تنتج افرادا يحملون القدرة على التحليل والتفكير النقدي بدلا من منع هذا وذاك عنهم لكي يصبحوا منغلقين لا يستطيعون خوض النقاشات وتصبح هناك أمورا “تابو”.
هذا التيار الذي يقمع ويمنع هو نفسه الذي يتباكى عندما تنزع فرنسا الحجاب من النساء هناك وينعتها بازدواجية المعاير، فنحننواجه اليوم تيار يستغل الحريات والمناصب لصالحه فهو يرفع شعار الحريات والدستور مطالبا بحقه ومتى سنحت له الفرصة يخفض الدستور ويرفع الشريعة ويؤمر بقمع ومنع الاخرين ضاربا بعرض الحائط هواياتهم واهتماماتهم ويتدخل بشؤونهم فمن وضعهم حماة للمجتمع؟ لماذا لم يستطيعوا ان يحموا المجتمع من التطرف والفكر الإرهابي عندما انحرفت أفكارهم؟ الى متى وهذا التيار يُعامل معاملة الطفل المدلل على حساب باقي فئات الشعب كأننا كفار وهم أصحاب الفرقة الناجية؟ فالمتطرف مهما بلغ جرمه يتم تأهيله واعادته للمجتمع، وخسارة تسكير المحلات يتم تعويضها من المال العام، وأمثلة عديدة توضح تدليل هذا التيار على حساب المجتمع.
المطلوب هو حماية الحريات والايمان بالتعددية وهذا دور الحكومة بمواجهة مثل هذه المطالبات بدلا من كسب تلك المعارك الصغيرة التي اضرت بالحريات والفنون والعلوم ولنا بالتاريخ أمثلة عديدة التي لم يتم انتشال المجتمعات الغارقة بالوصاية الا بالقوة لان الامر أصبح متأخرا جدا للإصلاح بالإقناع وهذا ما نخشاه.