تهتم الدول المتقدمة بالتعليم اهتماما بالغا، حيث يشكل إحدى الأولويات للتنمية الاقتصادية، فمخرجات التعليم تساهم في بناء المجتمع وتشكل القوى العاملة، لذا يتعرض التعليم إلى تطوير مستمر لكي يواكب العصر ويلبي احتياجات المجتمع. وبالنظر إلى نظامنا التعليمي في الكويت ومقارنته مع الأنظمة التعليمية في مختلف العالم ورغم تطوره باستمرار وصرف ميزانية ضخمة له لا يشعر أغلبية المواطنين بالرضا عنه.
المشكلة ليست بالنظام التعليمي، بل بمرحلة ما بعد التخرج ومتعلقة بسوق العمل، حيث إن أغلبية الوظائف حكومية وخدماتية ذات طابع يغيب عنه التحدي والابتكار، أما القطاع الخاص الذي يمتاز بالتحدي فله حصة بسيطة من السوق، وكما نعلم بأن الحكومة من أولوياتها تأمين الوظائف للخريجين حتى لو كان على حساب الكفاءة، وذلك لكي تقلل من معدل البطالة وتتجنب المشاكل السياسية الناجمة عنها.
كيف يؤثر ذلك على التعليم؟ لا يشعر الطالب خلال دراسته بأنه بحاجة لأن يجتهد ويحصل على درجات مرتفعة من أجل لقمة العيش أو الحصول على وظيفة متميزة، فالوظيفة مضمونة للخريج من خلال ديوان الخدمة المدنية الذي يبحث عن وظيفة مناسبة للطالب المتخرج حديثا، الأمر الذي لا تجده في غالب الدول حيث من بعد ان يتخرج الطالب يدخل في سباق للحصول على وظيفة، وهو قلق حتى لو معدله الدراسي مرتفع لأن المنافسة تحتم عليه أن يكون الأفضل لكي يلتحق بوظيفة.
أما بالنسبة للخريجين المتميزين الذين ينخرطون بالعمل سيجدون أنفسهم في نفس الوظيفة مع زملائهم الخريجين من جامعات متواضعه وبتقدير متواضع ويحصلون على نفس المميزات وتتم ترقيتهم بنفس الفترة الزمنية، ما سيؤدي إلى إحباط الخريج المتميز وفقد قدراته وأمله شيئا فشيئا حتى يصبح كالبقية، لذلك انتقل الكثير من سوق العمل إلى إنشاء أعمالهم التجارية الخاصة لكي تتماشى مع طموحهم، حيث ان الثقافة الكويتية في العمل لا تنظر إلى المتميز بالشكل المستحق ولا الأنظمة الإدارية مبنية لتميزهم عن غيرهم. ومن خلال عملي سمعت الكثير من الموظفين الذين يبلغون أولادهم بألا «يشدوا حيلهم» كثيرا في الدراسة لأنهم سيتساوون في العمل مع غير المجتهد وأيضا ألا يتجهوا إلى التخصصات الدراسية ذات الصعوبة.
يتم التركيز على النظام التعليمي وحده بشكل منفصل، ويتم تجاهل باقي الأنظمة المتعلقة به، لذا المشكلة ليست بنظام التعليم بل بسوق العمل لأنهم مرتبطون ارتباطا وثيقا ببعض، فيحتاج سوق العمل لتغيير جذري ابتداء من طريقة التوظيف الحالية إلى خلق أنشطة متنوعة في الدولة بدلا من الاعتماد الكلي على الوظائف المعتمدة على إيرادات النفط حتى يشكل تحديا يستطيع فيه المتميز الإبداع وتنمية الدولة، وسيؤدي ذلك إلى وجود حاجة حقيقية لتطوير النظام التعليمي في الكويت.