عندما نهضت دبي في أواخر التسعينيات وبدأت السياحة تتوسع لديها وأصبحت محط أنظار العالم راهن الكثير على انها ظاهرة وسوف تختفي بعد عدة سنوات، وقد يكون هذا التشاؤم لكونها دولة عربية ـ خليجية تتبع نفس الأنظمة والثقافة العربية التي قلما تنجح في عصرنا الحالي بتحقيق تنمية اقتصادية وسط التنافس العالمي. وأحد الادعاءات التي أطلقت على دبي بأنها تنمية الإسمنت كونها عبارة عن مبان شاهقة فقط دون قيمة حقيقية تسعى إلى بناء الإنسان وتنميته خصوصا للمواطن الإماراتي.
ولكن عندما نتابع تطور دبي منذ نشأتها اهتم الشيخ محمد بن راشد بتنشئة البنية التحتية لإمارة دبي لكي تستوعب السياح من مختلف العالم ولكي تصبح مدينة متكاملة من ناحية التنظيم والمواصلات وغيرها مما استقطبت الشركات العالمية كاستثمار خارجي مباشر في إمارة دبي، ولكن هل تكمن أهمية إنشاء المدينة المتكاملة فقط في استقطاب الاستثمارات الخارجية والسياح فقط؟
الحضارة الإغريقية التي يعرف عنها إسهاماتهما في التاريخ هم أول من أنشأ مدينة ورغم انه في الغالب يعتقد البعض ان المدينة مجرد مبان وطرق ولكنها نقلت الإنسان الاغريقي من البربرية الى المدنية وتوسعت بفعل الاستعمار وأصبحت منظمة بدلا من العشوائية. لذا أصبحت جسدا سياسيا مستقلا واحتاج الاغريق إلى خطاب تتم فيه مخاطبة الشعب وتنظيمهم بشكل أفضل، فظهرت عدة أفكار ومفاهيم لم تكن موجودة في السابقة مثل الديموقراطية والقانون المكتوب والفلسفة فكانت المدينة سببا لانطلاقهم.
لذا بناء المدينة بشكل صحيح وتنظيمها يدفع إلى تنمية الإنسان، فهي لا تساهم في النهضة العمرانية فقط كما اعتقد البعض بل تتعدى ذلك. فدبي اليوم تطورت في مجالات عدة ولم تقتصر على السياحة فقط، فهناك عدة مدن تخدم قطاعات مختلفة، مثل تكنولوجيا المعلومات والجامعات والأنشطة التجارية وغيرها.
ولم تستورد دبي أنظمة عالمية وتطبقها فقط بل نتجت من ممارستها مفاهيم جديدة منها منافسة المؤسسات الحكومية للشركات الخاصة في الكفاءة حيث إن في العادة تتفوق الشركات بالكفاءة لكونها مدفوعة بالربحية بعكس المؤسسات الحكومية المدفوعة بتقديم خدمات فقط، الإجراءات الحكومية أصبحت سريعة وبسيطة متجاوزة كل التعقيدات البيروقراطية واحتراف الموظفين في المعاملة والإجراءات الإدارية. وكذلك تم اختراع دورية السعادة التي تسعى إلى توعية المواطنين والمقيمين حول قوانين المرور بدلا من إعطائهم مخالفة مرورية بالإضافة إلى العديد من الأمثلة التي لا يسعني ذكرها.
نهضت دبي بالإنسان الإماراتي وأصبح متفوقا ويساهم ليس فقط في بناء بلده بل في التنافس العالمي، حيث صقلت شخصيته امام التحديات، فإبداع الإنسان مرتبط كثيرا ببيئته. فلنتخيل الكويت مستقبلا يتم فيها تنمية إسمنتية مشابهة فماذا سينجم عن ذلك؟
صقر الغيلاني 